خبرات وأبحاث

مدخل:

طالما يُثار تساؤل بين الكثير من المربين حول التفكير هل يُنمَّى أم يُعلَّم لدى الطلاب ؟؟

مما أثار فضولي للبحث في هذا الموضوع، والخروج برؤية مبنية على ماتراكم لدي من ملاحظات، وسلسلة من القراءات والنقاشات.  

التفكير نشاط عقلي أكرمنا الله به عن سائر المخلوقات، ولقد عنيت كثير من المدارس التربوية والنفسية بتنميته لدى المتعلم ،ولاتزال دراسة التفكير وماهيته محل جدل بين الكثير، حيث تطالعنا كثير من المؤلفات، وبعض النقاشات العلمية بآراء متباينة في قضايا مختلفة حوله،ابتداءً من أزمة تحديد معناه وماهيته،حيث تعددت  تعريفاته لدى كثير من المهتمين بهذا الجانب ،فكلٌ ينظر إلى الأمر من منظور تخصصه .

فيذكر (العتوم وآخرون ،2013) أنه عملية عقلية ذهنية ، وآخر يرى أنه مهارات عقلية يستخدمها الفرد لحل مشكلة ما ، والبعض يرى أنه عملية معرفية داخلية وآخرون يرون أنه عملية سلوكية خارجية، وبلا انتهاء لموضوعاته الجدلية ، مما يؤكد  الطبيعة المعقدة للدماغ البشري.

ونظراً لأهمية التفكير وتزايد الاهتمام بتعليمه في الآونة الاخيرة ،لم يعد هدف العملية التعليمية يقتصر على اكتساب المتعلم المعلومات والمعارف بل تعداه  إلى تنمية تفكيره وكيفية التعامل مع متغيرات العصر الذي يعيشه،  لذا فنحن بأمس الحاجة إلى تنمية عقليات مفكرة قادرة على حل المشكلات الحياتية ، و تدريب الطلاب كيف يفكرون ويبدعون وينتجون وينقدون ويقومون...إلخ، حيث أن المقررات الدراسية لازالت بحاجة إلى تنمية هذه المهارات.

لذا طالب الكثير بضروة تعليم وتنمية التفكير، وتعددت الاتجاهات والمذاهب في ذلك.

وممن نادى بتعليم التفكير دي بونو (DeBono,1994) حيث نظر إلى التفكير على أنه مهارة ذهنية يمكن أن تتحسن بالتدريب والمراس والتعلم، ويتم ذلك بإعداد المواقف وتنظيم الخبرات المناسبة بحيث تكسب الفرد المتعلم المعارف والمعلومات التي تتفاعل في ذاته، وتقوده إلى البحث عن معلومات أخرى أبعد وأعمق مولداً منها معرفة جديدة.

وتميز قطامي (2003) بين تعليم التفكير وتعليم مهارات التفكير، حيث تعتبر تعليم التفكير محاولة لتهيئة الفرص ، والمواقف، وتنظيم الخبرات، التي تتيح الفرصة للمتعلم للتفكير الفعال، وتوظيف العمليات الذهنية المختلفة .

أما تعليم مهارات التفكير فيتضمن اعتباره مهارة كجميع المهارات الأخرى القابلة للتعليم والتدريب، ممايتطلب تعليم المتعلم استراتيجيات وعمليات ذهنية تتناسب والمهمات التي يقوم بتنفيذها.

كما تعددت اتجاهات تعليم التفكير فمنهم من ينادي بتعليم مهارات التفكير بشكل مستقل ومنهم من يرى تضمينها في المواد الدراسية  وآخرون ينادون بالدمج.

وهناك اتجاه آخر  ينادي بتدريس التفكير مادة مستقلة وتضمين مهاراتها ضمن المحتوى وهو مايطلق عليه بالتجسير.

فالاتجاه الأول تعليم مباشر ومستقل  لمهارات التفكير كالمقررات المستقلة في تعليم التفكير. ويفرق زيتون(2006) بين اتجاهي الدمج والتضمين فالأول تعليم بشكل مباشر  يُعرِّف بالمهارة وخطواتها ومن ثم تطبيقها وقد يصاحبه تطور في مهارات التفكير إذا أحسن المعلم تطبيقها بالشكل المطلوب ، بينما التضمين يكون بشكل غير مباشر في سياق المحتوى التدريسي.

لكن يظل التساؤل هل مهارات التفكير تُعلَّم أم تُنمَّى؟؟

لو رجعنا إلى فلسفة سقراط في تربية التفكير نجد أنه وضع طرقاً مبتكرة وشائقة تستثير العقول بأسئلة موجهة وهو مايعرف (بالطريقة السقراطية)،  التي تساعد على توليد الأفكار في عقول الآخرين حيث أن كل إنسان قادر على التفكير بالطريقة الصحيحة، ولكنه يحتاج إلى من يساعده في اكتساب هذه المهارة ، وهنا يتجلى دور المعلم والمربي في  تدريب عقول طلابه على التفكير بعمق.

فهل هذه المهنة القديمة التي كان يقوم بها  الفيلسوف سقراط لازالت تُمارس في تعليمنا الآن؟؟ وهي توليد الأفكار من رؤوس الطلاب وتنمية قدراتهم الفكرية العليا.

للأسف إن بعضاً من مدارسنا قد لا تهيئ فرصاً  لطلابها ليقوموا بمهمات تعليمية نابعة من فضولهم أو مبنية على تساؤلات يثيرونها بأنفسهم ، مع أن الكثير من التربويين على قناعة كافية بأهمية تنمية مهارات التفكير ، ويؤكدون على أن مهمة المدرسة ليست عملية حشو العقول بالمعلومات ، بقدر ما يتطلب الأمر الحث على التفكير ، والإبداع ، إلا أنهم يتعايشون مع الممارسات السائدة في مدارسنا ، وفي حالة تخوف من  كسر جدار المألوف أو الخروج عنه .

وبلا شك أن الإنسان السوي يمتلك القدرة على التفكير، لكنه لايمتلك توجيه هذه المهارات الوجهة الصحيحة ، فتعليم مهارات التفكير وتنظيرها في مقررات دراسية كما ينادي به البعض  ليس كفيلاً بإنتاج جيل مفكر يستطيع ممارسة هذه المهارات في مواقف حياتية ، حتى وإن دُمجت ففي بعض الأحيان تكون بطريقة مباشرة شكلية، لاتعدو أن تكون إقحاماً لمحتوى الدرس في سلسلة من الخطوات يمارسها المتعلم بدون وعي وإدراك، وبلا صدى في واقعه .

فمهارات التفكير تُنمَّى للطلاب بتضمينها المنهج  في سياقٍ تدريسي يتفاعل مع ذات المتعلم ،حتى وإن دُمجت وعلمت المهارة فلابد أن يكون التدريب عليها  بطريقة غير مفتعلة وممارستها مطلب حتى تنمو.

بينما الاتجاه الذي ينادي بتعليم مهارات التفكير بشكل مستقل ومباشر  يكون مناسباً للمعلم وَمَنْ هم في طَور الإعداد؛ حتى يكونوا  قادرين على كيفية استثارة المواقف الصفية  وإكساب طلابهم مهارات التفكير فيما بعد.

وأهم وسيلة تسهم في تنمية هذه المهارات بشكل فاعل تهيئة الغرفة الصفية ؛ لما لها من دورٍ فاعل في نجاح هذه الاتجاهات بشكل عام أومايتعلق منها بأسلوب التضمين أو الدمج بشكل خاص.

فالممارسات الموجهة والبيئة المحفزة في الغرفة الصفية  مرتبط بها نجاح مابعدها ، وإلا فكتب التفكير تزخر بالعديد من الاستراتيجيات والأساليب، ومن أهم هذه الممارسات تشجيع الطلاب وتنمية الثقة بأنفسهم والاستماع لهم وتقبل أفكارهم وتثمينها ، والتغذية الراجعة للممارسات التي يقومون بها وتعزيز تقبل الآخر لديهم.

ختاماً: التفكير الجيد لا يُعلَّم ولاينمو تلقائياً، بل هو نتاج تدريب هادف مستمر في بيئة محفزة للتفكير.

 

 

المراجع:

·          ديبونو، إدوارد (2001) تعليم التفكير ، ترجمة عادل ياسين وإياد ملحم وتوفيق العمري، الطبعة الأولى، دار الرضا للنشر.

·          زيتون، حسن(2006) تعليم التفكير رؤية تطبيقية في العقول المفكرة.عالم الكتب . القاهرة

·          قطامي، نايفة(2003) تعليم التفكير للأطفال، دار الفكر للطباعة، عمان.

 

 

معلومات عن الكاتب
الكاتب: أ. نوال بنت صالح المسند
محاضر بجامعة المجمعة ، وباحثة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية