خبرات وأبحاث

 

      شهر رمضان؛ شهر قمري تفرد بعبادة عظمى، وتبوأ الركن الرابع من أركان الإسلام، وشرف بنزول القرآن الكريم فيه. هذه الميزات الثلاث جعلت منه مدرسة إيمانية ينهل منها المؤمن ما يرقى به إلى حيث مدارج النقاء والطهر يقول الحق تبارك وتعالى:" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

    لنتأمل " لعلكم تتقون" تأتي لعل في اللغة العربية بمعنى التوقع المرجو؛ وإذا وردت في القرآن الكريم من الله فهي تحقيق؛ فالصيام إذا يوصل للتقوى؛ والتقوى هي القاعدة التي ينطلق منها المؤمن في تفكيره؛ فالتقوى نوع إيماني يصل الإنسان بخالقه؛ يحرص من خلاله على رضا الله في كل أحواله، فيحسن التعلم من مدرسة الصيام ليصل بتفكيره إلى حيث السمو والإشراق؛ فيتجلى التفكير الأخلاقي وينبثق منه التفكير الإيجابي.

 وقد ورد عن ابن القيم الجوزية رحمه الله قوله عن مكانة الصوم وحكمه السامية في كتابه مفتاح دار السعادة: " أما الصوم فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين."

 وعليه فتفكير المؤمن يركز بداية في اغتنام الشهر المبارك؛ لشرفه وفضله فيوليه عناية بأن يقدم فيه الأجود من الأقوال والأفعال؛ مستحضرا النية الحسنة فيما يبذل بلا كلل أو ملل.

 ومن هنا يكون فيه تغيير إيجابي من خلال طريقة تفكيره التي تغيرت؛ لينال أجر رمضان بتوفيق من الله وسداد.

 فهو يرتع في رياض الخير والفلاح من صباحه لمسائه؛ ما بين صيام الجوارح والقلب، وذكر لله لا يفتر، وتغذية إيمانية بتعميق التفكر في القلب تتجدد، وابتسامة لا تكاد تفارقه، فلا يرفث ولا يفسق بل لا ينتصر لنفسه فشعاره إني صائم في مواقف الصدام والعراك لتسود الحكمة والأسلوب الحسن.

 ويكون له مع القرآن الكريم ربيع تدبر يزهر قلبه به، ويثمر فكره، مما يجعله ينهل من العلم أحسنه، فيزداد إنجازا وانتاجا؛ ذلك لأن الصيام له تأثير على الدماغ وعلى التفكير مما يجعله مدرسة تفكير راقية، وأكاديمية تعليمية لا تنافس.

 كتب إبراهيم الراوي عن فائدة الصيام على القدرات الفكرية عند الإنسان: " يؤثر الصيام في تنشيط الخلايا الدماغية التي تضاعف حيويتها؛ لتوقف نشاط الجهاز الهضمي فيندفع الدم بغزارة إلى أنسجة المخ لتغذية تلافيفه، وتزويد الحجر الدماغية بالغذاء الأمثل لعملها."

 كما أظهرت دراسة علمية حديثة أجراها علماء من جامعة يل الأمريكية وقد نشرت نتائج الدراسة في مجلة "نتشر نيروساينس"؛ أن الجوع له أثر إيجابي في تقوية الذاكرة، إذ إن هرمون الجوع " جريلين" يساعد في زيادة عدد الموصلات العصبية في منطقة الدماغ التي تتشكل فيها ذاكرة الأحداث، فهرمون الجوع ينشط المستقبلات العصبية للمخ.

 ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: الصيام زكاة النفس، ورياضة للجسم، فهو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة؛ في جوع الجسم صفاء القلب، وإنقاذ البصيرة؛ لأن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر الشجار، فيتبلد الذهن؛ أحيوا قلوبكم بقلة الضحك، وقلة الشبع، وطهروها بالجوع؛ تصفو وترق.  

 فالأخلاق العالية يُتدرب عليها من مدرسة رمضان الفكرية؛ فيكون جهاد النفس؛ والتحلي بالصبر، والانضباط والنظام، والأمانة، ومراقبة الله في السر والعلن، والتعاون والتكاتف والتآخي وغيرها مما يظهر جليا على المؤمن الكيس الذي يجعل من فكره نبراس خير.

  وجدير بنا أن يكون لنا حظا وافرا من هذه المدرسة في نهضة فكرية يرضاها الله ورسوله تقودنا للظفر بثوابه قال صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. "  رواه البخاري ومسلم

 

  ولابن الجوزي كلام حول شرف الوقت حري بنا الأخذ به لا سيما في المواسم الفاضلة كتب رحمه الله في ذلك: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا تضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، من غير فتور بما يعجز عنه البدن من العمل، كما جاء في الحديث: " نية المؤمن خير من عمله".

 

 فالتفكير في كيفية استغلال الوقت الفاضل؛ طريق للفوز بأجره. حقق الله لنا جميعا –برحمته-الفوز بغنائمه.

 

 

المراجع:

-       القرآن الكريم.

-       الحديث الشريف. (صحيح البخاري، صحيح مسلم).

-       ابن الجوزي، جمال الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن علي (2004). صيد الخاطر. تحقيق د. عبدالحميد هنداوي.  بيروت: المكتبة العصرية.

-       الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (2005). إحياء علوم الدين. بيروت: دار ابن حزم.

-       http://www.jameataleman.org/main/articles

-       https://arabic.rt.com/health

 

 

معلومات عن الكاتب
الكاتب: أ. ابتسام بنت عبدالرحمن السلوم